محرك البحث جوجل

الجمعة، 29 أبريل 2011

ركائز الطمأنينة لكل من يعاني من الخوف وضيقة الصدر

هذا مقال من تأليفي أرجو ان تجدو فيه المتعة والفائدة

طبيعة الإنسان وركائز الطمأنينة

إن الفردوس المفقود (وهذا تعبير عن السعادة الطفولية)

الذي تبحث عنه الذات انما تبحث عنه وهي متغافلة

عن طبيعتها التي خلقها الله عليها، بل وتعتقد بشدة بأنها من

الممكن أن تحصّله في الدنيا.

ويزداد الإلحاح في البحث عن الفردوس المفقود والمطالبة

باستعادته لكل من مر في المعاناة النفسية وتكدّر عليه عيشه

بحيث يصبح يبحث عن ذاته القديمة التي كان بالها خالياً

من القلق والإكتآب والمخاوف والوساوس.

وكل من مر بضيق نفسي شديد يستطيع أن يدرك مانقوله

إلا أن هناك الكثيرون ممن لم يعانوا المشكلات النفسية

يظلوا قادرين على فهم مانقصده إذا ما تأمّلوا

حقيقة في ذواتهم تتمثل في الحنين الى الماضي (الطفولة)

وبراءته وبساطته.

فالطفل يضحك من قلبه ويشعر بنشوة الحياة وحرية الإنفعال

ويعيش البساطة النفسية والثقة بالنفس ووو... الخ من

الأحاسيس التي يفقدها الشخص بعد أن يتقدّم

به العمر لتجده يصبح يقول: لقد تغير الناس والعالم

والمفاهيم وتعقّدت الحياة.

إن مانحتاج أن نتفهمه هنا هي طبيعة الإنسان التي

خلقه الله عليها

والوصايا التي أوصاه بها ليتمكن من العيش في الدنيا

مع تحقيق حسنة الآخرة.

وسوف لن نوسع البحث في طبيعة الإنسان ويكفينا أن نتأمل الآيات التالية:


{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} فصلت51
{لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ }فصلت49
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً} الإسراء83
{وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً }الإسراء11
{إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً }المعارج20
{وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً }المعارج21
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء35
{إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً }المعارج19
{يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً }النساء28
{خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ }الأنبياء37
{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ }هود9
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} هود10
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }العاديات8
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }البقرة155
{لتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }آل عمران186
والآن وبعد تدبر هذه الآيات نود أن نتحدث عن مفاتيح الطمأنينة وركائزها

والتي نوجزها فيما يلي:


1)التعايش مع الطبيعة الإنسانية:

تعتبر هذه الركيزة من أهم الركائز والتي ندعو فيها الإنسان
بأن يقبل الطبيعة التي خلقه الله عليها. فإن كان القلق مثلاً جزء لا يتجزأ
من طبيعته فلماذا لا يكف عن هجومه الشرس على القلق؟
إن القلق حينما نهاجمه بهدف القضاء التام عليه فإنه ساعتها يحاربنا بشراسة.
ونفس الشيء يمكن قوله عن الخوف والهلع والخجل وغيرها
من المشاعر السلبية المفطورة في طبيعة النفس.
ويكفينا مثالاً أن نقول بأنك لابدأن تتألم ألماً شديداً عندما تحاول
أن تبتر عضو من أعضاء بدنك المادي، وكذلك يكون الحال
لو حاولت أن تبتر جزء روحي من طبيعتك.
إن القلق مثلاً (وهو من أكبر الأمور التي تزعج الطمأنينة)
يبدأ صغيراً ولا يلبث أن يكبر مع الوقت كلما حاربناه بشراسة،
فنكون نحن بالتالي من غذيناه وقويّنا من أثره.

2)التسامح مع الذات:

إن الركيزة الثانية من ركائز الطمأنينة هي مسامحة ومصالحة الذات.
فما يعانيه الكثيرون من تهديد لطمأنينة ذواتهم إنما سببه
عدم مسامحة الذات على انفعالاتها أو مخرجاتها السلوكية السلبية.
ويكفي أن نضرب مثالاً على الممثل المسرحي الذي يقف أمام الجمهور
فيتوتر قليلاً ويصب عرقه وربما تتغير نبرة صوته وتصيبه رهبة
خفيفة وخاصة إن كان مبتدءاً، إنه إن لم يسامح نفسه ويقبل
بما صدر منها من توتر أو ضعف فإنه حينئذٍ يصبح ضحية لنفسه
التي ستحاربه مثلما هو حاربها ولم يسامحها
بينما لو سامحها وتصالح معها فإنه يستعيد توازنه بسرعة.


3)الصبر:

وهذه الركيزة مهمة جداً لما لها من مفعول كبير في دعم
ركائز أخرى كالقناعة والتفاؤل. إن الذي يعاني من فقدان الطمأنينة
وقرر أن يستعيد مايمكن استعادته منها هو بأمس الحاجة الى الصبر.
فلو كان عجولاً ونفذ صبره أو اعتقد بأنه للصبر حدود فإنه سيضيق ذرعاً
وسوف لن يصل لهدفه. إننا ندعو للصبر بدون حدود،
أي صبرٌ الى مالا نهاية، فهذا هو الصبر الذي تحتاجه الذات،
وصدق القائل سبحانه وتعالى ((إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب)) (الزمر 10).

4)النظر للأمام وترك الماظي:

من أكبر المشكلات التي تهدد الطمأنينة هي مشكلة النظر للخلف
والتعلق بالماضي والرغبة للعودة فيه.
والكثيرون ممن مروا بالمشكلات النفسية نجدهم يقولون عن أنفسهم
بأنهم تغيروا وفقدوا شيء من ذواتهم ويرغبون استعادته،
كالإحساس بالسعادة الغامرة وهدوء البال والطمأنينة والجرأة وو...الخ.
ونجدهم ينظرون للماضي (ماضي أنفسهم) ويتمنون العودة اليه.
إلا أن سنة الله تقول بأن الزمن يسير للأمام ولا مجال للرجوع للخلف.
وإنه من الغريب أن نجد إنسان يبحث عن تطوير نفسه بالرجوع للوراء.
إن مانحتاجه هو النظر للأمام واليقين
بأن التقدم في الأمام وتطوير الذات في الأمام.

5)التفاؤل:

والتفاؤل يدعم النظر للأمام، والنظر للأمام يدعم التفاؤل.
حيث مالفائدة بأن ننظر للأمام ونحن متشائمون من المستقبل المجهول؟
إن مانحتاجه هو القول بأن الخير في المستقبل ونحن سائرون اليه.
إن الصبر كما ذكرنا يدعم التفاؤل، والتفاؤل يدعم الصبر،
حيث كلما كنا متفائلين فإننا نصبر صبراً لا ينفد.
قال الرسول (ص) (تفاءلوا بالخير تجدوه)،
وكلما كان هناك يقين بوجود الخير والأمل في المستقبل
فإن ذلك يدعم الصبر بلا حدود.

6)القناعة (الحمد والشكر):

والقناعة كنز لا يفنى، وهي تدعم الصبر والتفاؤل.
إن الكثيرين من فاقدي الطمأنينة إنما يبحثون عن الغنيمة الكبرى
من الطمأنينة ولا يرضون بالقليل، وهذا يجعلهم مهما حضّلوا من خير
(الطمأنينة وغيرها) فإنهم يضلوا ناقمين على رزقهم منها ويشعرون
بالجوع الشديد لها. إننا قليلاً مانشكر ((قليلاً ماتشكرون))
(الأعراف10- المؤمنون 78- السجدة 9- الملك 23)
وهذا في طبيعتنا الإنسانية والتي ينبغي أن نسمو بها للشكر
والحمد على أقل القليل.
وكلما شكرنا على القليل كلما حصلنا زيادة الخير
الى أن نحرز تقدما كبيراً في التحصيل،
وهذا الذي يجعل القناعة كنز لايفنى.

7)الزهد في الشيء:

وهو جزء لا يتجزأ من القناعة والشكر والحمد.
قال رسول الله (ص):
((إزهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس))
فما هو المعنى العميق لهذا التوجيه النبوي الشريف؟
إن للكثير من المشكلات النفسية علاقة
بمسألة تحصيل القبول الاجتماعي لدى الناس أقاربا كانوا أم أصدقاء.
بل تزداد الحاجة والإلحاح على تحصيل القبول لدى الناس عند كل
من يعتقد بأن ذاته غير جديرة بذلك لضعفها ونقصها،
وهو مايشاهد لدى المريض النفسي في حالات الإكتآب خاصة
والتي يقلل فيها الشخص من قيمة ذاته،
بل في جميع الحالات التي يقلل فيها الشخص من قيمة الذات
كالخجل المبالغ فيه والمخاوف والهلع وربما الوسواس
واضطرابات الشخصية الضعيفة.
إن المشكلة تكمن في أن الشعور بضعف الذات يزيد من
الحاجة لتحصيل قبول الناس واستحسانهم واعجابهم،
وفي المقابل فإن زيادة الحاجة والإلحاح على تحصيل القبول
والاستحسان من الناس يزيد من الشعور بالضعف والنقص أمامهم،
وليس للذات من سبيل يريحها ويخلصها من هذه الدوامة سوى أن تزهد
فيما عند الناس من حب وإعجاب وقبول زهدا حقيقيا وليس زهد وهمي.
وما أقصده بالزهد الحقيقي هو أن يكون الهدف الأسمى النهائي
للانسان هو الزهد وليس ان يكون الزهد وسيلة
لتحقيق غاية هي حب الناس.
أي يجب أن لايكون هدفه هو تحصيل حب الناس بواسطة الزهد
وإنما عليه أن يستغني تماما عن حب الناس،
فساعتها سيأتوه الناس وستقبل عليه الدنيا وهو زاهد فيها،
فما أسعده حينئذٍ وما أهدى باله وما أروع ثقته بنفسه

8)إحسان الظن بالآخر:

وهذه الركيزة تتعلق بطمأنينة الذات مع الآخرين.
إن جزء كبير من ضياع الطمأنينة إنما سببه سوء الظن بالآخر
والإعتقاد بأنه عدو للذات، وهو ماقد يتفاقم الى الدرجة
التي يصبح فيها ضلالة فكرية كما هو مشاهد في حالات الذهان.
فكم سمعنا عن الإبن الذي يحقد على والده بسبب أنه يقول
بأن والده لايعامله بأسلوب سليم وأنه يتعمّد ذلك.
ونفس الحال قد نراه بين الزوجين أو بين المعلم والتلميذ
أو الموظف والمدير أو حتى الأصدقاء.
ولو أن الإنسان أحسن الظن ودفع السيئة بالحسنة
وقال عن الآخر الذي لم يتفاهم معه بأنه ربما يجهل (لايعلم) أو لايستطيع
وليس يتعمّد إيذاء الذات فإنه سيحقق درجة عالية من الإطمئنان للآخرين.

9)التوكل والحسبنة والبراءة من الحول والقوة:

إن الكثير من مشكلات الذات مع الآخرين ومع الحياة بشكل عام
إنما سببها اعتداد الذات بنفسها واعتقادها بأنه بإمكانه أو ربما
يجب عليها أن تعتد بنفسها في فعل أي شيء.
إن التوكل يجعلها تشعر بسند يسندها بقوة فوق كل القوى،
فهل بعد هذا الشعور يكون هناك خوف من المستقبل؟ ،
وقولها (حسبي الله ونعم الوكيل) ألا يكفيها كل مشاكلها مع الآخرين؟
وقولها (لا حول ولا قوة الا بالله) ألا يشعرها بالقوة الحقبقية
بدل الإعتداد بقوتها أمام الآخرين.
إن هذه الركيزة هي من أهم ركائز الطمأنينة
فيما يخص قوة الذات النابعة من اعتدادها بخالقها
في مواجهة كل موضوعات الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Sociofluid

Powered By Blogger